سورة البقرة - تفسير التفسير القرآني للقرآن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)}.
التفسير:
كل حجّة كانت تقطع على القوم سبيل الإفلات منها، كانوا يلقونها بوجه وقاح، لاحياء فيه.. فمع علمهم بأن دين اللّه واحد، ورسالات رسله تصدر جميعها عن هذا الدين، فإنهم إذا دعوا إلى الإيمان بما أنزل اللّه على رسله لوّوا رءوسهم، وقالوا: {نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا}!! كأنما يحسبون أن ما أنزل عليهم هو شرع شرعه اللّه لهم، وخصهم به من دون الناس، وجعل لهم به سلطانا على العباد.. وكذبوا وضلوا! فالكتاب الذي نزل على محمد يحوى مضامين ما أنزل على موسى وعيسى وما أنزل على النبيين جميعا، ولهذا أمر أتباع محمد أن يؤمنوا بما أنزل على أنبياء اللّه، كما يقول القرآن الكريم، متوجها بهذا الأمر إليهم: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [123: البقرة] ومع هذا فهل آمن بنو إسرائيل بما أنزل عليهم حقّا؟ إذن فلم قتلوا أنبياءهم؟ ولم حادّوا اللّه ورسله مع الآيات البينات التي جاءتهم على يد الأنبياء؟
ولم عبدوا العجل بعد أن أراهم موسى من آيات ربّه ما تلين له الصمّ الجلاد! أفهذا هو الإيمان، وما يأمر به الإيمان؟.
وفى قوله تعالى: {قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا} وفى الجمع بين السمع والعصيان ما يشير إلى تلك الطبيعة اللئيمة المستقرة في كيان القوم، وهى أنهم لا يتقبلون الخير ولا يستقيمون عليه، وأنه إذا نفذت إلى آذانهم دعوة الخير استقبلها من قلوبهم عواء مخيف، يردّها عن أفقه، ويصدها عن مورده: {سمعنا وعصينا}! سمعنا بآذاننا وعصينا بقلوبنا!.
وفى قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وتكرار هذا القول مرتين في موقف واحد- في هذا ما يكشف عن حقيقة هذا الإيمان الذي يدّعونه.
فهو إيمان على دخل، تختلط به خمائر الشك، والنفاق.. وهذا إيمان لا يقبله اللّه، ولا يدخل أهله في زمرة المؤمنين به!.


{قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (96)}.
التفسير:
إن الدعوى التي يدعيها بنو إسرائيل، ليتخذوا منها مقنعا لهم وللناس، من أنّهم أبناء اللّه، وأنهم موضع رعايته واختصاصه إياهم بالرحمة والرضوان- هذه الدعوى مفتراة على اللّه، أوردوا بها أنفسهم موارد الضلال والهلكة.
وليس أدل على بطلان هذه الدعوى وفساد هذا المتعلّق الذي يتعلقون به، من أنهم لو كانوا يؤمنون حقّا بصدق هذه الدعوى لكان تعلقهم بالدار الآخرة أكثر من تعلقهم بالحياة الدنيا، ففى الآخرة نعيم لا ينفد أبدا، وسعادة شاملة لا تدخل عليها شائبة من شقاء أو نصب.. ولكن القوم يتعلقون بالحياة الدنيا أشد التعلق، وينفرون من كل أمر يقطعهم عن هذه الحياة ويصلهم بالآخرة، أشدّ النفور {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا}.
فهم أحرص الناس جميعا بلا استثناء على الحياة، حتى إنّ المشركين الذين لا يؤمنون بالآخرة، ولا يرجون حياة بعد هذه الحياة ليس فيهم هذا الحرص على التمسك بالحياة التي يحرص اليهود عليها هذا الحرص العجيب.. {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} ليستوفى حطّه من الجمع والاقتناء.. {وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ} فليس له من هذا المصير مهرب، وإن امتد عمره إلى آلاف السنين!.


{قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (99)}.
التفسير:
الحسد الذي أدّى ببني إسرائيل إلى الكفر، وأوردهم موارد الهلاك- هذا الحسد قد جعلهم يحادّون اللّه علنا، ويجهرون بالتطاول على ملائكته، الذين يصدعون بأمره، ويحملون رحمته إلى عباده.. فهم يعلمون أن جبريل- عليه السلام- هو حامل كلمات اللّه إلى الرسول الكريم، وهم- مع علمهم هذا- يضمرون البغضة والعداوة لهذا الملك الكريم، لأنه حمل رحمة اللّه إلى عبد من عباد اللّه، وهم يرون أنهم أحق بهذه الرحمة وأهلها، وأن اللّه هو إلههم وحدهم، ورحمته مقصورة عليهم!! فكيف يحمل جبريل رحمة السماء إلى أرض غير أرضهم، وإلى جنس غير جنسهم؟
وانظر إلى قوله تعالى: {مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} حيث الشرط الذي يفيد العموم، وهو يراد به بنو إسرائيل خاصة.. وفى هذا ما ينادى بأن هؤلاء القوم لا يحتاجون في هذا المقام إلى وصف أو تخصيص، فإذا ذكرت فعلة شنعاء دون متعلّق لها، فإنها لا تعلق إلا بهم، ولا تأخذ إلا بمخانقهم، من دون الناس جميعا، وإذا أطلقت صفة ذميمة على عمومها، فإنها تحوّم وتحوّم، ثم لا تسقط إلا على رءوسهم هم أولا.
وفى قوله تعالى: {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} توكيد لتمكن القرآن الكريم من كيان الرسول، وأنه تلقاه سماعا من الوحى، فإن هذا السماع ينفذ إلى القلب، ويستقر فيه، وحتى لكأن القلب هو الأذن التي تلقّت كلمات اللّه! أو لكأن الأذن هى قلب، في الحفظ والوعى لما تسمع!
هذا، وقد تعلق بعض المفسرين بظاهر اللفظ في قوله تعالى: {نَزَّلَهُ} ففهم أن الوحى لم يكن من لفظ مسموع يلقيه جبريل إلى النبىّ الكريم، وإنما كان إلهاما يجده الرسول في قلبه، فيتحدث به لسانه، واستند أصحاب هذا الرأى إلى قوله تعالى للنبى الكريم، في آية أخرى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}.
فقالوا: إن النبىّ كان حين يلقى إليه الوحى على هيئة خواطر في قلبه، يبادر فيشكلّها كلمات يجريها على لسانه في عجلة، مخافة أن تفلت منه، أو تتغير هيئتها! وهذا الرأى قد فتح للمستشرقين وغيرهم بابا للقول، بأن القرآن في هيئته اللفظية، ليس كلام اللّه، وإنما هو من صياغة محمد، حيث كان يصوغ الخواطر التي يتلقاها من الوحى، في الصورة اللفظية المناسبة.
ولهذا- كما يقولون- جاء القرآن أنماطا مختلفة من الأساليب، بعضها ممتد النفس، هادىء، ليّن، وبعضها متقطع الأنفاس، صارخ عنيف.. وذلك حسب حال النبىّ، وما تثيره الخواطر المتنزلة عليه.. وعلى عكس هذا لو كان القرآن لفظا ومعنى من عند اللّه، فإنه يكون نمطا واحدا، لا يتأثر بالعوامل النفسية الإنسانية، التي يكون عليها النبىّ حين يتصل بالوحى.. وهذا جهل أو تجاهل، بالحق الواضح، إذ أن كلام اللّه الذي يخاطب به عباده، إنما يبلغ آثاره فيهم، إذا جاء على أنماط كلامهم، وجرى على أساليب بيانهم، فلان في مواضع اللّين، واشتدّ في أحوال الشدة، وهذا ما عبر عنه علماء البلاغة في وصفهم للكلام البليغ، بأنه: المطابق لمقتضى الحال.
وهذا القول إنما يقوله من المستشرقين من يسلّمون لمحمد بالنبوة والرسالة.
أما من لا يؤمنون بالوحى، ولا يعتقدون في الرسالات السماوية فيقولون: إن القرآن- لفظا ومعنى- هو من عمل محمد!
وفى قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ} توكيد لما نزل على النبىّ من قرآن، وآيات بينات، منزلة من اللّه.
وفى قوله سبحانه: {وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ} تهديد لليهود، ووعيد لهم، على كفرهم وفسقهم.. فهم الكافرون الفاسقون.. كفروا بمحمد، وفسقوا عن دينهم الذي كانوا عليه، أي خرجوا عن دينهم، حين أنكروا ما فيه من أمر محمد ورسالته.

9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16